يهدد مبدأ عدم الإعادة القسرية.. صفقات الترحيل عبر طالبان اختبار حقوقي لبريطانيا
يهدد مبدأ عدم الإعادة القسرية.. صفقات الترحيل عبر طالبان اختبار حقوقي لبريطانيا
أثارت تصريحات سياسية في بريطانيا في الأيام الأخيرة، عاصفة من الجدل بعد أن كشف رئيس حزب المحافظين، كيفن هولينراك، عن أن الحزب "قد" يدرس إمكانية إبرام اتفاق مع حركة طالبان لإعادة المهاجرين الأفغان، ذلك الطرح، الذي بدا في البداية مجرّد احتمال ضمن نقاش سياسي داخلي، سرعان ما تحوّل إلى قضية حقوقية ودبلوماسية خطيرة، بعدما ربطته صحف بريطانية بخطط أوسع تتبناها أطراف سياسية أخرى للترحيل الجماعي لطالبي اللجوء.
وذكرت صحيفة الغارديان، اليوم الأربعاء، أن رئيس حزب المحافظين، كيفن هولينراك، أشار في تصريح سياسي إلى أن الحزب "قد" يُبرم اتفاقاً مع أفغانستان التي تديرها طالبان لإعادة المهاجرين.
وأكد هولينراك أن الخطة لا تزال "قيد الدراسة"، مشيراً إلى أنها جزء من مقترح أوسع للترحيل أكثر شمولاً من خطة الإصلاح التي يطرحها حزب حزب الإصلاح البريطاني Reform UK.
وأوضحت الصحيفة أن هذا الطرح جاء في سياق نقاش داخلي واسع حول سياسات الهجرة في المملكة المتحدة، خصوصاً بعد الجدل الذي أثاره زعيم حزب الإصلاح، نايجل فاراج.
خطط الترحيل الجماعي
في تقرير منفصل، تناولت "الغارديان" خطاب نايجل فاراج الذي طرح خطة للترحيل الجماعي لطالبي اللجوء من المملكة المتحدة، وأشارت الصحيفة إلى أن خبراء قانونيين وصفوا هذه الخطة بأنها تنتهك التقاليد القانونية البريطانية، وحذّروا من أنها قد تتعارض مع التزامات المملكة المتحدة الدولية في مجال حقوق الإنسان، كما ذكرت أن فاراج قوبل بانتقادات واسعة بسبب "خطابه البغيض" الذي ربط طالبي اللجوء بالتهديدات الأمنية.
ومن جانبها، نشرت صحيفة "ذا صن" تقريراً بعنوان: "طالبان مستعدة لعقد صفقة مع فاراج لإعادة آلاف المهاجرين غير الشرعيين ضمن خطة الترحيل الجماعي للإصلاح"، وأشارت فيه إلى أن الحركة قد أبدت استعدادها لاستقبال الأفغان الذين سيُعادون من بريطانيا.
وذكرت الصحيفة أن هذا الطرح يتضمن إمكانية تقديم لندن "مقابل مادي أو تسهيلات" كجزء من اتفاق لإعادة المهاجرين، وهو ما أثار موجة من القلق بشأن احتمال تطبيع العلاقات السياسية مع طالبان على حساب الالتزامات الحقوقية.
أبعاد دولية وحقوقية
أما وكالة "أسوشيتد برس" فقد ركّزت على أن خطط حزب الإصلاح برئاسة فاراج، التي تضم الترحيل الجماعي عبر اتفاقات مع حكومات بينها طالبان، تمثل خروجاً صارخاً عن التزامات المملكة المتحدة الدولية.
وأشارت الوكالة إلى أن الاتفاقات المحتملة قد تتناقض مع القوانين الدولية، بما في ذلك مبدأ عدم الإعادة القسرية الذي يحظر إعادة اللاجئين إلى دول قد يواجهون فيها التعذيب أو الاضطهاد.
كما أبرزت أن هذه الخطط تثير قلق المنظمات الحقوقية التي ترى فيها تهديداً لسلامة وحياة آلاف الأشخاص.
ومن جانبها، ذكرت وكالة "رويترز" أن خطة فاراج، التي أطلق عليها اسم "عملية استعادة العدالة"، تشمل إعادة المهاجرين عبر "مذكرات تفاهم" مع دول من بينها أفغانستان التي تسيطر عليها طالبان.
وأوضحت الوكالة أن هذه الخطة لا تزال في مرحلة الطرح السياسي ولم تتحول إلى سياسات رسمية، لكنها أثارت ردود فعل سياسية واسعة، كما نقلت عن محللين أن مثل هذه الخطط قد تعرّض المملكة المتحدة لانتقادات دبلوماسية دولية واسعة إذا تم تنفيذها.
انتقادات داخلية
بحسب ما نقلته الغارديان، هاجم سياسيون من أحزاب المعارضة هذه المقترحات، إذ وصف إد ديفي، زعيم حزب الديمقراطيين الليبراليين، خطاب فاراج بأنه "مُزيّف للوطنية"، مؤكداً أن مثل هذه الخطط ستؤدي إلى "تدمير سجل بريطانيا المشهود في ريادة العالم بمجال حقوق الإنسان".
وأضاف أن التفكير في إبرام صفقات مع طالبان لإعادة اللاجئين يُعد تناقضاً خطيراً مع التقاليد الديمقراطية البريطانية.
وأبرزت التغطيات الإعلامية المختلفة أن التفاوض مع طالبان بشأن إعادة اللاجئين الأفغان يثير إشكاليات قانونية واضحة، فوفقاً لاتفاقية اللاجئين لعام 1951، يُعتبر مبدأ عدم الإعادة القسرية أساسياً، وهو يمنع أي دولة من إعادة أشخاص إلى بلد قد يتعرضون فيه للاضطهاد.
وتُشير "أسوشيتد برس" إلى أن تطبيق هذه السياسات يعني فعلياً تعريض حياة آلاف اللاجئين للخطر، خاصة في ظل تقارير دولية متواترة عن انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان في أفغانستان تحت حكم طالبان.
ولفتت "ذا صن" إلى أن استعداد طالبان للتعاون في هذا الملف يطرح تساؤلات عن الاعتراف الدولي بها، فبريطانيا، شأنها شأن معظم دول العالم، لم تعترف رسمياً بحكومة طالبان بعد سيطرتها على السلطة في 2021، وبالتالي، فإن الدخول في مفاوضات معها حول قضية حساسة مثل اللاجئين قد يفتح الباب أمام تطبيع غير مباشر للعلاقات السياسية، بما يتناقض مع الموقف الرسمي المُعلن.
مواقف متشددة تجاه الهجرة
ترى الغارديان أن إثارة موضوع الترحيل الجماعي وإمكانية التعاون مع طالبان يأتي في وقت حساس سياسياً، حيث تسعى الأحزاب البريطانية إلى كسب أصوات الناخبين من خلال تبني مواقف متشددة تجاه الهجرة، غير أن طرح هذه الأفكار يضع بريطانيا أمام خيار صعب.. إما الالتزام بتقاليدها القانونية وحقوقها الإنسانية، وإما الانجراف وراء خطاب شعبوي قصير المدى قد يضر بسمعتها الدولية على المدى الطويل.
ومن خلال الطرح الإعلامي، يتضح أن موضوع إعادة المهاجرين الأفغان عبر اتفاق محتمل مع طالبان لم يعد مجرّد فكرة هامشية، بل تحول إلى محور نقاش سياسي وإعلامي واسع.
وبينما تؤكد الحكومة أن الأمر لا يزال "قيد الدراسة"، تُبرز التغطيات الصحفية أن هذه الخطط تثير قلقاً حقوقياً بالغاً، خصوصاً في ما يتعلق بالتزامات بريطانيا الدولية وبسلامة اللاجئين المعرّضين للترحيل.